فصل: مسألة صلي بالناس فيجلس في ثالثة أو يقوم إلى خامسة فيسبح به فلا يرجع:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة متى يفرق بين الصبيان في المضاجع:

وسألته متى يفرق بين الصبيان في المضاجع؟ فقال ابن القاسم: إذا أثغروا، من نحو التفرقة في البيع، قال عيسى: وحدثني ابن وهب أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إذا بلغ الصبيان سبع سنين، فمروهم بالصلاة، وإذا بلغوا عشر سنين فاضربوهم عليها، وفرقوا بينهم في المضاجع». قال عيسى: وبه آخذ.
قال محمد بن رشد: قوله إنه يفرق بينهم في المضاجع- إذا أثغروا، خلاف ظاهر الحديث، وكذلك ما في رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب، من أنهم يضربون على الصلاة- إذا أثغروا؛ هو أيضا خلاف ظاهر الحديث، ولا رأي لأحد مع الحديث، فاتباع ظاهره في المعنيين على ما ذهب إليه عيسى- هو الصواب، وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة شك في قراءة أم القرآن حتى هم أن يركع وقبل أن يرفع:

ومن كتاب أوله إن أمكنتني من حلق رأسك:
مسألة قال: ومن شك في قراءة أم القرآن حتى هم أن يركع وقبل أن يرفع- وقد قرأ السورة التي معها، فإنه يرجع ويقرأ أم القرآن، والسورة التي معها، وليس عليه سجود.
قال محمد بن رشد: هذا خلاف ما مضى في رسم إن خرجت، ومثل ما في الرسم الأول من سماع أشهب، والقولان قائمان من المدونة، وقد مضى القول في ذلك على مسألة سماع أشهب المذكور، فقف عليه.

.مسألة صلي بالناس فيجلس في ثالثة أو يقوم إلى خامسة فيسبح به فلا يرجع:

وسئل عن الإمام يصلي بالناس فيجلس في ثالثة، أو يقوم إلى خامسة، فيسبح به فلا يرجع، فيكلمه إنسان ممن يصلي خلفه؛ قال: قد أحسن وتتم صلاته. قلت: وكذلك لو سأل الإمام أتمت صلاته أم لا؟ قال: نعم، كذلك أيضا يتم على ما صلى. قال: وينبغي للإمام إذا سبح به، أن يجيبهم إذا كان في شك، ولا يدري في ثلاث هو أو في أربع، فليقم إلى أربع، إلا أن يسبح به قد تممت صلاتك فيرجع.
قال محمد بن رشد: مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، أن الكلام في الصلاة فيما تدعو إليه الضرورة من إصلاح الصلاة- إذا لم يفهم بالتسبيح، ولا بالإشارة، جائز، لا يبطل الصلاة على ما جاء عن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- في حديث ذي اليدين. وذهب ابن كنانة، وابن نافع، وأكثر أصحاب مالك- إلى أن ذلك منسوخ لا يجوز لأحد بعد النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-. وأخذ سحنون بالحديث في موضعه ولم يقس عليه سائر المواضع. وقوله وكذلك لو سأل الإمام أتمت صلاته، قال: نعم، كذلك أيضا ظاهره قبل السلام وهو بعيد؛ إذ لا ضرورة بالإمام إلى السؤال قبل السلام: هل أكمل صلاته أم لا؟ لأن الواجب عليه إذا شك أن يبني على اليقين، إلا أن يسبح به فيرجع؛ فإن سألهم قبل أن يسلم، أو سلم على شك، فقد أفسد الصلاة، وإن سلم على يقين ثم شك، جاز له أن يسألهم، فينبغي أن يعدل بالكلام عن ظاهره، ويقال: معناه إذا شك في إتمام صلاته بعد أن سلم على يقين؛ وذلك بخلاف الذي استخلف ساعة دخوله- ولا علم له بما صلى الإمام، فإنه يجوز له السؤال إذا لم يفهم بالإشارة على ما في سماع موسى بن معاوية؛ إذ ليس عنده أصل يقين يبني عليه. وقوله: إنه ينبغي للإمام أن يجيب من خلفه إذا سبحوا به- وكان في شك- صحيح، وقد مضى من معناه في أول رسم من سماع ابن القاسم.

.مسألة صلى المغرب خمس ركعات ساهيا:

وسئل عن رجل صلى المغرب خمس ركعات- ساهيا، قال: يسجد سجدتي السهو بعد السلام.
قال محمد بن رشد: هذا خلاف ما وقع في أول رسم من سماع ابن القاسم من رواية سحنون عن ابن القاسم، أن من زاد في صلاته مثل نصفها، أعاد الصلاة أبدا؛ وهو مثل ما في المدونة فيمن شفع وتره ساهيا. وما في سماع أبي زيد فيمن صلى ركعتي الفجر أربعا من استحباب إعادتها، يقوم منه قول ثالث- وهو الإعادة في الوقت؛ والقول الأول أظهر من جهة القياس- وهو أن الزيادة في الصلاة لما كان يستوي القليل والكثير منها في العمد، وجب أن يستويا في السهو، ووجه القول الثاني، أن الاقتصار في الصلوات على ما وقت فيها من عدد الركعات فرض، والفروض لا تسقط بالنسيان، فكان الأصل أن تبطل صلاة من زاد في صلاته ركعة فأكثر من أي الصلوات كانت، فخرج من ذلك من زاد ركعة في صلاة هي أربع ركعات، بحديث ابن مسعود إذ صلى النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- «الظهر خمسا» وبقي ما زاد على ذلك على الأصل- وبالله التوفيق.

.مسألة أدرك الإمام جالسا في التشهد في الصلاة فأحرم ثم جلس فلما سلم الإمام سها:

وقال في رجل أدرك الإمام جالسا في التشهد في الصلاة، فأحرم ثم جلس، فلما سلم الإمام، سها فسلم معه ثم قام فبنى، قال: عليه سجدتا السهو بعد السلام؛ لأن السلام زيادة.
قال محمد بن رشد: وهذا- كما قال؛ لأنه زيادة خارجة عن حكم الإمام، فوجب السجود له- على مذهب مالك بعد السلام.

.مسألة ركع فرفع رأسه من الركوع فلم يعتدل حتى خر ساجدا:

ومن كتاب التفسير:
مسألة قال ابن القاسم من ركع فرفع رأسه من الركوع فلم يعتدل حتى خر ساجدا، فليستغفر الله ولا يعد؛ ومن خر من ركعته ساجدا، فلا يعتد بتلك الركعة، ومن رفع رأسه من السجود فلم يعتدل- جالسا حتى سجد الأخرى، فليستغفر الله ولا يعد؛ وأحب إلي للذي خر من الركعة- ساجدا قبل أن يرفع رأسه، أن يتمادى في صلاته ويعتد بها، ثم يعيد الصلاة، قال سحنون: روى علي بن زياد عن مالك، أنه لا إعادة عليه.
قال محمد بن رشد: قوله فيمن رفع رأسه من الركوع أو السجود فلم يعتدل قائما، أنه يستغفر الله ولا يعد؛ يدل على أن الاعتدال في الرفع منها، عنده من سنن الصلاة، لا من فرائضها، ولا من فضائلها؛ إذ لو كان عنده من فرائضها لما أجزأه الاستغفار، ولو كان من فضائلها، لما لزمه الاستغفار، ويجب على هذا القول إن لم يعتدل قائما في الرفع من الركوع، وجالسا في الرفع من السجود- ساهيا، أن يسجد لسهوه، وروى ابن القاسم عن مالك في المبسوطة، أنه لا سجود عليه، ولا إعادة- وحده كان أو مع الإمام، عامدا كان أو ساهيا، وهذا- عندي- على القول بأنه لا سجود على من نسي تكبيرة واحدة؛ إذ يبعد أن يسهو عن ذلك في جميع صلاته؛ وذهب ابن عبد البر إلى أن ذلك من فرائض الصلاة، وعاب قول من لم يجب في ذلك الإعادة، لقول النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- «لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الركوع والسجود»؛ ولقوله للذي رآه يصلي ولا يعتدل في ركوعه وسجوده-: «ارجع فصل، فإنك لم تصل». قال: وإنما اختلف الناس الطمأنينة بعد الاعتدال. والصحيح أن ذلك سنة لا فريضة على ما دلت عليه هذه الرواية، والآثار التي احتج بها ليست على ظاهرها، بدليل ما في سائرها. وأما الرفع من الركوع فاختلف هل هو فرض لا يتم الركوع إلا به، أو سنة؟ وعلى هذا الاختلاف يأتي اختلاف قول مالك في عقد الركعة: هل هو الركوع، أو الرفع منه، فعلى القول بأنه سنة- إن خر من ركعته- ساهيا، سجد قبل السلام، وإن كان متعمدا، استغفر الله ولم تكن عليه إعادة، وهي رواية علي بن زياد عن مالك؛ وعلى القول بأنه فرض من تمام الركوع- إن كان متعمدا، أفسد الصلاة، وإن كان ناسيا، رجع إلى الركعة محدودبا- قاله ابن المواز، وأجزأته صلاته، وسجد لسهوه بعد السلام، إلا أن يكون مع الإمام فيحمل ذلك عنه، وإن بعد ذلك وفاته الرجوع إليها، ألغاها وأتى بها وسجد لسهوه إلا أن يكون أيضا مع الإمام يحمل عنه السهو؛ وقول ابن القاسم: إنه لا يعتد بتلك الركعة ظاهر قوله ناسيا كان أو متعمدا، واستحبابه أن يتمادى ويعيد في الوجهين، وجهه مراعاة الاختلاف، كمن ترك أم القرآن من ركعة، فمرة قال بالإلغاء، ومرة قال بالإعادة، وأما الرفع من السجود، فلا اختلاف أنه فرض؛ إذ لا يتم السجود إلا به، وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب، والله- سبحانه وتعالى أعلم، وبه التوفيق.

.مسألة نسي صلاة يوم لا يدري أفي السفر نسيها أو في الحضر:

ومن كتاب القطعان:
مسألة وسألت ابن القاسم عمن نسي صلاة يوم لا يدري أفي السفر نسيها أو في الحضر؟ قال: يعيد صلاة يوم للسفر، ثم يعيد صلاة يوم للحضر، ولا يعيد الصبح، ولا المغرب للحضر.
قال محمد بن رشد: قوله: إنه يعيد صلاة يوم للسفر، ثم يعيدها للحضر، صحيح- كما قال؛ لأن من ذكر صلاة السفر في الحضر وقد خرج وقتها يصليها سفرية- كما كانت عليه، لقوله- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- «إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها ثم فزع إليها، فليصلها- كما كان يصليها في وقتها.» فإذا لم يدر إن كانت الصلاة التي ذكرها- وقد خرج وقتها- سفرية أو حضرية، وجب أن يصليها سفرية وحضرية، حتى يوقن أنه قد أتى بما عليه. وأما قوله: إنه لا يعيد الصبح ولا المغرب للحضر، معناه إذا لم يعين الأيام، وأما لو عينها مثل أن يقول: لا أدري إن كنت نسيت صلاة يوم السبت في السفر، أو صلاة يوم الأحد في الحضر، لوجب أن يعيد المغرب والصبح ليوم الأحد- على مذهب ابن القاسم، وقد مضى ذلك في أول رسم أوصى من هذا السماع.

.مسألة أهل منى هل يقصرون إذا أرادوا الإفاضة أو أهل عرفة:

وسئل ابن القاسم عن أهل منى هل يقصرون إذا أرادوا الإفاضة، أو أهل عرفة؟ فقال: أما أهل عرفة فيقصرون ولا يقصر أهل منى، قال ابن القاسم: وكل من كان بمنى يقصر، فإذا أفاض قصر، وكل من كان بمنى يتم، فإذا أفاض أتم.
قال محمد بن رشد: قوله في الحاج من أهل منى إنهم لا يقصرون في إفاضتهم من منى إلى مكة صحيح، لقرب ما بين منى ومكة. وقوله في أهل عرفة: إنهم يقصرون في إفاضتهم من منى إلى مكة صحيح أيضا، على قياس قوله: إنهم يقصرون بمنى؛ لأنهم إذا كانوا يقصرون بمنى، فهم على ذلك يرجعون إلى وطنهم بعرفة. وفي قوله: إنهم يقصرون بمنى نظر؛ لأنه إنما قال: إنهم يقصرون بها قياسا على تقصير الحاج من أهل مكة بها، وذلك إنما فيه الاتباع لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تقصيره بها، ولا يتعدى بالسنة موضعها- إذا لم تكن موافقة للأصول، لاسيما وقد قيل: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن مقيما بمكة، ولذلك قصر بمنى، وإلى ذلك ذهب أهل العراق، فلم يجيزوا للحاج من أهل مكة التقصير بمنى وعرفة، وقد مضى هذا في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم. وقول ابن القاسم: وكل من كان بمنى يقصر، فإذا أفاض قصر، مثل قوله أولا أما أهل عرفة فيقصرون؛ لأن أهل عرفة يقصرون عنده بمنى- على ما تقدم؛ ووقع في بعض الروايات: وكل من كان بعرفة يقصر، فإذا أفاض قصر- وهو غلط؛ لأن قوله يتناقض بذلك، من أجل أن أهل منى يقصرون بعرفة، وهو قد قال: إنهم يتمون إذا أفاضوا.

.مسألة هل يؤذن المؤذن المؤذن يوم عرفة والإمام على المنبر يخطب:

فقلت له: هل يؤذن المؤذن، يوم عرفة- والإمام على المنبر يخطب؟- قال: قال مالك: ذلك واسع، قال عيسى: وقال لي ابن وهب: تلك السنة.
قال محمد بن رشد: قول مالك في أذان المؤذن- والإمام على المنبر يخطب: إن ذلك واسع، يدل على أن الاختيار عنده ألا يؤذن إلا بعد فراغه من الخطبة- كما قال في آخر كتاب الصلاة الثاني من المدونة؛ إذ لا يوسع إلا فيما غيره أحسن منه. فقول ابن وهب تلك السنة، خلاف لقول مالك، إن لا يصح أن يكون الاختيار عنده خلاف السنة، ولو ثبتت السنة عند مالك، لما اختار خلافها، وإن كان ذلك أظهر في المعنى، من أجل أن أذان المؤذن- والإمام يخطب، ترك منه لما أمر به من استماع الخطبة، والإصغاء إليها، وقد قال في كتاب الحج الأول من المدونة: إن ذلك واسع، إن شاء أذن- والإمام يخطب، وإن شاء بعد فراغ الإمام من الخطبة. والوجه في ذلك، أنه لما لم يقطع بثبوت السنة، وكان الأذان بعد تمام الخطبة أولى من جهة النظر والمعنى، خير بين الوجهين فرارا من أن يحض على خلاف ما قد روي عن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، أو يترك ما يوجبه النظر إلى ما لم يثبت عن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، وهذا منه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بنهاية في التوقي. وفي الواضحة: أنه يؤذن في جلوس الإمام بين خطبتيه على ما حكي من سيرة الحج فيما كتب به القاسم، وسالم- إلى أمير الحج في زمن يزيد بن عبد الملك، وقد روي عن ابن الماجشون أن المؤذن يؤذن بعد صدر من خطبته.

.مسألة نسي صلاة يوم الجمعة فلم يذكر حتى صلى الجمعة:

قال ابن القاسم فيمن نسي صلاة يوم الجمعة فلم يذكر حتى صلى الجمعة، قال: يصلي الصبح، ثم يصلي الجمعة أربعا.
قال محمد بن رشد: والوقت في ذلك، النهار كله، قال ذلك ابن المواز؛ وقال أشهب وسحنون والليث بن سعد وغيرهم: أن السلام من الجمعة خروج وقتها، ولو ذكر صلاة الصبح- وهو في الجمعة مع الإمام، لخرج إن أيقن أنه يدرك من الجمعة ركعة بعد صلاة الصبح، وإن لم يوقن ذلك تمادى مع الإمام وأعاد ظهرا أربعا على مذهب ابن القاسم، خلافا لأشهب، ومن قال بمثل قوله: إن السلام من الجمعة خروج وقتها. وجه قول ابن القاسم، أن الجمعة لما كانت بدلا من الظهر، ووقت الظهر قائم بعد، وجب أن يعيد الجمعة ظهرا أربعا، لتعذر إقامتها جمعة؛ ووجه قول أشهب ومن قال بمثل قوله، أنه لما تعذر إقامتها جمعة كما كان صلاها، سقطت عنه الإعادة؛ إذ ليست بواجبة؛ ألا ترى أنها لا تجب بعد خروج الوقت، وستأتي المسألة متكررة في سماع سحنون.

.مسألة صلى بقوم فأصابه حدث فأخذ بيد رجل فقدمه:

وسئل ابن القاسم عن إمام صلى بقوم فأصابه حدث، فأخذ بيد رجل فقدمه، فجهل الذي قدم، فقال للذي خلفه: كيف أصنع أبني أم أستأنف؟ فقالوا: بلى ابن، قال ابن القاسم: عليه وعليهم الإعادة.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن الكلام جوز من إصلاح الصلاة فيما تدعو إليه الضرورة، لا يوجد من ذلك بد، والجهل ليس بعذر يجيز له التكلم في صلاته، فهو كمتعمد الكلام.

.مسألة نسي سجدة من أول ركعة فذكرها في تشهد الرابعة:

وسئل ابن القاسم عمن نسي سجدة من أول ركعة، فذكرها في تشهد الرابعة، قال: يقوم فيقضي ركعة يقرأ فيها بأم القرآن فقط، ويسجد قبل السلام؛ لأنه نقصان وزيادة. قال ابن وهب: يقضي ركعة يقرأ فيها بأم القرآن وسورة، ويسجد بعد السلام؛ لأنه زيادة فقط. قال عيسى: وقول ابن القاسم أعجب إلي.
قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة في المنفرد، وهو عند ابن القاسم بأن يخالف المأموم على المشهور في المذهب، وعلى هذا يأتي جوابه في هذه المسألة؛ لأن الركعة الأولى التي أسقط منها السجدة تبطل إذ لم يصلحها قبل أن يعقد بعدها ركعة، فتصير الثانية له أولى، وهو قد جلس فيها فزاد الجلوس في غير موضعه، وزاد أيضا عمل الركعة التي أسقط منها السجدة، وتصير الثالثة له ثانية، وهو لم يقرأ فيها إلا بالحمد- وحدها، وقام ولم يجلس فأسقط منها السورة والجلوس، وتصير الرابعة له ثالثة، فيأتي بالركعة الرابعة بأم القرآن فقط، ويسجد قبل السلام؛ لأنه نقصان وزيادة. وقوله في المدونة فيمن أسقط السجود من الركعة الأولى، والركوع من الركعة الثانية: إنه لا يجزيه أن يجعل سجود الركعة الثانية للركعة الأولى؛ لأنه لم ينوه لها، وإنما نواه للركعة الثالثة، معارض لأصله في هذه المسألة، ومعنى قول ابن وهب أنه عنده قاض كالمأموم فتبطل عنده عليه الركعة الأولى، وتبقى الثانية على حالها ثانية، والثالثة ثالثة، والرابعة رابعة؛ ويقوم فيقضي الأولى التي بطلت عليه بترك السجود فيها، فيكون على هذا قد زاد عمل الركعة الأولى التي أسقط منها السجدة. فهذا تفسير قول ابن وهب ومعناه، فجميع أصحاب مالك على أن الفذ بانٍ إلا ابن وهب؛ وجميعهم على أن المأموم قاضٍ، إلا أشهب- وبالله التوفيق.

.مسألة القوم تفوتهم الجمعة ويريدون أن يجمعوا:

ومن كتاب أوله باع شاة:
مسألة وسألت ابن القاسم عن القوم تفوتهم الجمعة ويريدون أن يجمعوا، قال ابن القاسم: كنت مع ابن وهب بالإسكندرية- وكنا في بيت فلم نحضر الجمعة لأمر خفناه، ومعنا ناس كانوا جاءونا، فأردنا أن نصلي، فقال ابن وهب: نجمع، فقلت أنا: لا، فألح ابن وهب فجمع بالقوم، وخرجت أنا عنهم؛ فقدمنا على مالك، فسألناه عن ذلك، فقال: لا تجمعوا، ولا يجمع الصلاة من فاتته الجمعة، إلا أهل الحبس، والمسافرين، والمرضى، فأما غير ذلك فلا.
قال محمد بن رشد: كان تخلفهم عن الجمعة لمكان البيعة، وكانت قامت في ذلك اليوم؛ وقع ذلك في المبسوطة، فحملهم ابن القاسم محمل من فاتتهم الجمعة، لقدرتهم على شهودها؛ وحملهم ابن وهب محمل المسافرين الذين لا تجب عليهم الجمعة، لما لهم من العذر في التخلف عنها؛ فهذا وجه قوليهما، وقد مضى في رسم نقدها من هذا السماع- تحصيل القول في هذه المسألة، ونزيد ذلك هاهنا بيانا بأن نقول: إن المصلين الجمعة ظهرا أربعا، حيث تجب الجمعة- أربع طوائف: طائفة لا تجب عليهم الجمعة وهم المرضى، والمسافرون، وأهل السجون؛ فهؤلاء يجمعون، إلا على رواية شاذة جاءت عن ابن القاسم- أنهم لا يجمعون ويصلون أفذاذا، فإن جمعوا على هذه الرواية، لم يعيدوا، وطائفة تخلفت عن شهود الجمعة لعذر يبيح لهم التخلف عنها، فهؤلاء اختلف هل يجمعون أم لا- على ما جاء في هذه الرواية من الخلاف بين ابن القاسم، وابن وهب، فإن جمعوا على قول ابن وهب، لم يعيدوا على قول ابن القاسم؛ وطائفة فاتتهم الجمعة، فهؤلاء المشهور أنهم لا يجمعون، وقد قيل إنهم يجمعون، وروي ذلك عن مالك وبعض أصحابه، فإن جمعوا لم يعيدوا، وطائفة تخلفت عن الجمعة لغير عذر، فهؤلاء لا يجمعون، واختلف إن جمعوا، فقيل: إنهم يعيدون، وقيل: إنهم لا يعيدون- على ما مضى في رسم نقدها.

.مسألة أحدث فقدم رجلا لم يدرك معه تلك الركعة فسجد بهم:

وسألته عن الرجل يؤم الناس، فلما استقل من الركعة، أحدث فقدم رجلا لم يدرك معه تلك الركعة فسجد بهم، هل تجزئهم تلك الركعة؟ وعن الإمام يحدث- وهو راكع- كيف يخرج؟ وكيف يصنع؟ قال ابن القاسم: لا تجزئهم الركعة، ولا يعتدون بها؛ لأنه لم يعتد هو بها، ولا ينبغي لهم أن يتبعوه، فإن فعلوا، فسدت صلاتهم جميعا؛ لأني لا آمرهم أن يقعدوا بعد أربع ركعات؛ لأن تلك الركعة لم تجز عنهم حين سجد بهم من لا يجزئ عنه سجوده؛ ولا آمرهم أن يصلوا خامسة، فيكونوا قد صلوا خامسة عامدين، فأحب إلي أن يستأنفوا صلاتهم- إن فعلوا، وإن علم، رأيت له أن يتأخر ويقدم من أدرك ركعة فيسجد بهم. وقال في الإمام يحدث- وهو راكع-: إنه يرفع رأسه ويقدم رجلا يدب راكعا فيرفع بهم ويسجد.
قال محمد بن رشد: قوله إنه لا تجزئهم الركعة ولا الصلاة أيضا- إن سجد بهم السجدتين اللتين بقيتا عليهم من الركعة التي فاتته، هو قول أشهب أيضا، وقد قيل إنه تجزئهم، حكى ابن المواز القولين جميعا؛ فأما القول الأول فقد بين في الرواية وجهه، وهو أنه لما كان هو لا يعتد بها من صلاته، وجب ألا يتبعوه فيها، وأن تبطل صلاتهم إن اتبعوه فيها؛ لأنهم زادوا فيها ما ليس منها، وإن قعدوا ولم يتبعوه في السجود، بطلت عليهم الركعة؛ فلهذا رأى أن يتأخر ويقدم من أدرك الركعة فيسجد بهم، فتصح لهم الركعة والصلاة، ووجه القول الثاني، أنه لما كان لابد لهم من سجود سجدتي تلك الركعة، استخلف عليهم الإمام، أو لم يستخلف، لم يضرهم أن يعتدوا به في السجود، وكانوا في سجودهم معه كسجودهم- أفرادا، وإذا أنزلنا سجودهم معه كسجودهم أفرادا، فإنما يجزئهم سجود تلك الركعة على القول بأن ما فعل في حكم الإمام يعتد به على ما ذكرته من قول ابن نافع في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب؛ لأنهم في حكم المستخلف، وهو شذوذ في المذهب؛ وقوله في الذي يحدث- راكعا- أنه يرفع رأسه ويقدم رجلا يدب راكعا، فيرفع بهم ويسجد، صحيح؛ ولو قدم رجلا قد أحرم معه قبل أن يركع، لوجب أن يركع ويرفع بهم، وجب عليهم أن يرجعوا معه إلى الركوع، حتى يرفعوا برفعه، فإن لم يفعلوا أجزأتهم صلاتهم لأنهم بمنزلة من رفع قبل إمامه.

.مسألة يصلي فيركع بهم ويسجد سجدة ويسهو فلا يسجد غيرها:

قال: وسألته عن الإمام يصلي فيركع بهم ويسجد سجدة، ويسهو فلا يسجد غيرها، فينهض قائما وينهض معه بعض من يصلي معه- عالمين بأنه قد سها عن سجدة، فاتبعوه- اقتداء به، أو ساهون بسهوه، أو سجد بعضهم حين علموا أنه قد ترك سجدة ثم اتبعوه، ثم ذكر الإمام قبل أن يركع فسجدها، هل ترى لمن كان قد سجدها أن يعيدها ثانية مع الإمام، أم يعتدوا هم بسجدتهم التي سجدوا قبل الإمام، أو لم يذكر الإمام حتى ركع، هل ترى للذين سجدوها أن يعتدوا بها؟ قال ابن القاسم: أما الذين سجدوا لأنفسهم، فإنه إن رجع الإمام إلى السجدة قبل أن يركع، فإنهم لا يسجدون معه- ثانية، وسجدتهم الأولى تجزئهم؛ وإن لم يرجع الإمام إلى السجدة وسها عنها حتى يركع، فإن الذين سجدوا يتبعونه في صلاته حتى يتموا أربعا بتلك الركعة التي سها منها الإمام السجدة، فإذا أتموا أربعا، قعدوا وقام الإمام ومن سها معه فصلوا ركعة بسجدتين يؤمهم فيها الإمام، فإذا فرغ وسلم الإمام سلموا بسلامه، ثم سجد الإمام، ويسجد معه من سجد السجدة ومن لم يسجدها.
قال ابن القاسم: وأحب إلي أن لو أعادوا الصلاة الذين سجدوا السجدة بعد سلام الإمام، وهو أحب إلي من أن آمرهم أن يسجدوا معه ثالثة، فيزيدوا في صلاتهم متعمدين، أو أن يقوموا معه ولا يسجدوا فيقطعوا ركعتهم ويصلوا معه- خامسة من غير سهو؛ فالذي أرى أن يمضوا على صلاتهم على سنتها، ثم يعيدوا بعد فراغ الإمام- احتياطا، وأما الذين اتبعوه- عامدين، فصلاتهم منتقضة على كل حال- رجع الإمام من قبل أن يركع، أولم يرجع. قال أصبغ: ولا أدري ما هذا ولا يعجبني. وإن رجع الإمام قبل الركعة ورجعوا معه، فأرجو أن تجزئهم وإلا فلا. قال أصبغ: وهذا فقه هذه المسألة.
قال محمد بن رشد: هذه المسألة تنقسم على وجهين: أحدهما أن يسهو الإمام عن السجدة- وحده، والثاني أن يسهو عنها هو وبعض من خلفه، فأما إذا سها عنه هو وحده، فلا يخلو من خلفه من حالين: أحدهما أن يسجدوا لأنفسهم، والثاني أن يتبعوه على ترك السجدة- عالمين بسهوه، فأما إن سجدوا لأنفسهم ولم يرجع الإمام إلى السجدة حتى فاته الرجوع إليها بعقد الركعة التي يعدها، فركعة القوم صحيحة باتفاق، ويقضي الإمام تلك الركعة بعينها التي أسقط منها السجدة في آخر صلاته- وهم جلوس، ثم يسلم بهم ويسجد بعد السلام؛ واختلف إن ذكر الإمام قبل أن يركع، فرجع إلى السجود، هل يسجدون معه ثانية أم لا- على قولين، وأما إن اتبعوه على ترك السجود- عالمين بسهوه، فصلاتهم فاسدة باتفاق؛ وأما الوجه الثاني- وهو أن يسهو عنها هو وبعض من خلفه- وهي مسألة الكتاب، فلا يخلو من لم يسه عنها بسهو الإمام من حالين أيضا: أحدهما أن يسجدوا لأنفسهم، والثاني أن يتبعوه على ترك السجود- عالمين بسهوه؛ فأما أن يسجدوا لأنفسهم ولم يرجع الإمام إلى السجود حتى فاته الرجوع إليه بعقد الركعة التي بعدها، ففي ذلك ثلاثة أقوال، أحدها: قول ابن القاسم في هذه الرواية أن السجود يجزئهم وتصح لهم الركعة ويلغيها الإمام ومن سها معه، فإذا أكمل ثلاث ركعات، قام ومن سها معه إلى الرابعة، وقعدوا حتى يسلم فيسلموا بسلامه، ويسجد بهم جميعا سجدتي السهو بعد السلام؛- وهو أضعف الأقوال، لاعتدادهم بالسجدة، وهم إنما فعلوها في حكم الإمام، ولمخالفتهم إياه بالنية في أعيان الركعات؛ لأن صلاتهم تبقى على نيتها وتصير للإمام ومن سها معه الركعة الثانية أولى، والثالثة ثانية، والرابعة ثالثة؛ ولهذا المعنى قال ابن القاسم في الرواية: وأحب إلي أن لو أعادوا الصلاة، وإنما يسجد الإمام بهم بعد السلام- كما قال- إن كان ذكر بعد أن ركع في الثانية؛ لأنه يجعلها أولى، ويأتي بالثانية بالحمد وسورة، ويجلس فيها فيكون سهوه زيادة كله؛ وأما إن لم يذكر حتى صلى الثالثة أو رفع من ركوعها، فإنه يسجد قبل السلام- على ما اختاره من قول مالك في اجتماع الزيادة والنقصان؛ لأنه يجعلها ثانية، وقد قرأ فيها بأم القرآن- وحدها، وقام ولم يجلس، فأسقط السورة والجلوس منها، فاجتمع عليه في سهوه زيادة ونقصان.
واختلف أيضا في هذا الوجه- إن ذكر الإمام قبل أن يركع فرجع إلى السجدة، هل يسجدون معه ثانية، أم لا؟ على قولين، والقول الثاني: أن صلاتهم فاسدة للمعنى الذي ذكرناه من مخالفة نيتهم لنية إمامهم في أعيان الركعات- وهو قول أصبغ، والقول الثالث: أن السجود لا يجزئهم وتبطل عليهم الركعة، كما بطلت على الإمام ومن معه، ويتبعونه في صلاته كلها وتجزئهم؛ حكى هذا القول محمد بن المواز في كتابه. وأما إن اتبعوه على ترك السجدة- عالمين بسهوه، فقال في الرواية: إن صلاتهم منتقضة، ويتخرج على ما في كتاب محمد: أن تبطل عليهم الركعة، كما بطلت على الإمام ومن معه، ولا تنتقض عليهم الصلاة؛ لأن السجدة إذا كان على مذهبه لا يجزيهم فعلها، فلا يضرهم تركها- وبالله التوفيق.

.مسألة عليه سجود السهو بعد السلام فيسهو فيسجد قبل السلام:

ومن كتاب العتق:
مسألة وسئل ابن القاسم عن الذي يكون عليه سجود السهو بعد السلام، فيسهو فيسجد قبل السلام؛ قال: يعيدهما بعد السلام، وإنما هذا سهو دخل عليه.
قال محمد بن رشد: جعل في هذه الرواية سجوده قبل السلام سهوا فيما وجب عليه فيه السجود بعد السلام سهوا، دخل عليه قي صلاته فأوجب عليه إعادة السجود بعد السلام، ولم يراع ما في أصل المسألة من الاختلاف، فيلزم على هذا- لو كان جاهلا أو متعمدا- أن يعيد الصلاة؛ وقد روى ذلك أبو زيد عن أشهب، حكى ذلك ابن المواز، وهو خلاف ما في المدونة، وفي آخر الرسم الأول من سماع أشهب؛ فعلى ما في المدونة وفي السماع المذكور لا إعادة عليه للسجود بعد السلام إذا سجد قبل السلام- ناسيا كان أو متعمدا، مراعاة للاختلاف، وقد نص في كتاب محمد بن المواز على ذلك فقال: لا إعادة عليه للسجود بعد السلام- ساهيا كان أو متعمدا، وذهب ابن لبابة إلى أن يفرق بين الناسي والمتعمد في الذي يجب عليه السجود بعد السلام فيسجد قبله، فيجعل رواية عيسى هذه مفسرة لما في المدونة، وإنما هي خلاف لها بما بان مما ذكرته من كتاب محمد ابن المواز- وبالله التوفيق.